e-Learning Ecologies MOOC’s Updates

أنماط التغذية الراجعة على مرالعصور

"لا تعلم بلا تغذية راجعة"

تطور التغذية الراجعة :

نتيجة للتأثير الشديد، والحاجة الملحة للتغذية الراجعة، فهي – مثلها مثل باقي الأشياء – تتطور بتطور الفلسفة التربوية وتطور حاجات أطراف عملية التعلم، بما يخدم المنظومة التربوية والتعليمية، ويجعلها أكثر قدرة على تحقيق غاياتها، )، وهما كما يأتي:

الجيل الأول من التغذية الراجعة: التغذية الراجعة المتمركزة حول المعلم

بينما كانت مبادئ النظرية السلوكية في التعلم هي التي تسود البيئة التعليمية وتتحكم فيها وتقودها، وتتحكم في جميع عناصر العملية التعليمية والتربوية، ويتم تحكيم الممارسات التعليمية والتربوية وفق تلك المبادئ، حيث كان الطالب مجرد متلق سلبي للمعلومات التي يرسلها المعلم من خلال تعليم بنكي يعتمد على الحفظ والاستظهار، وكان التعليم متمركزًا حول المعلم في كل عملياته وممارساته، فكان هو مصدر المعلومات وناقلها، وهو من يحدد أهداف التعلم ويفرضها على جميع الطلاب، وكان الكل مطالبأ بتحقيق الأهداف نفسها خلال الزمن نفسه، ويتعرض للمحتوى ذاته، وتفرض عليه الأنشطة والتدريبات نفسها، حيث التعليم ذي المقاس الواحد؛ لذلك كان مصدر المعلومات التي تمثل التغذية الراجعة التي يتلقاها الطالب هو المعلم، وهو ما يمكن تسميته بالتغذية الراجعة الخارجية المتمركزة حول المعلم، وهو ما يمثل الجيل الأول من التغذية الراجعة.

أهم خصائص التغذية الراجعة المتمركزة حول المعلم

خارجية المصدر: حيث يتلقاها المتعلم من المعلم دون أن يكون له دور في تقديمها.

فهي تمثل الإجراءات التي تحصل خارج إطار الطالب، وغرضها زيادة مستوى الإنجاز من أجل تحقيق الأهداف الموضوعة والمحددة وتطوير الأداء المستقبلي، أو هي المعلومات أو التلميحات التي تتصل بأداء أو سلوك معين، والتي تصدر عن أحد طرفي عملية الاتصال ويلاحظه الطرف الآخر فيتأثر به، أي واردة إليه من مصدر خارجي؛ لتنبئه بنتائج عمله، وتعينه على تعزيزه أو تعديله أو تكراره، وتتطلب التغذية الراجعة هذه معرفة واضحة بنتائج العمل أو السلوك.

أحادية الاتجاه: حيث يكون التفاعل بين طرفين، يقوم أحدهما بنشاط ما (المتعلم)، ويتلقى توجيهًا من الطرف الثاني (المعلم)، فيقوم الطرف الأول بتعديل سلوكه على النحو الذي أُرشِد إليه.
ذات طبيعة إجبارية: حيث لا يتحكم بها المتعلم، وتفرض عليه من مصدر خارجي يحكم عليه بمدى صحة أو خطأ ما قام به.

الجيل الثاني من التغذية الراجعة: التغذية الراجعة المتمركزة حول المتعلم

مع انحسار النظرية السلوكية في التعلم، وانتصار مبادئ النظرية البنائية وانتشار مبادئها وافتراضاتها، أصبح من المسلمات التربوية والتعليمية أن التعلم هو الهدف الأساسي للتدريس، ومن ثم فالمتعلم محور العملية التعليمية، وكل متعلم قادر على التعلم، لكنهم يتعلمون بطرق مختلفة.

فالفصل الدراسي يمثل مجتمعًا بين أفراده اختلافات، ويجب تعرف قدرات وميول كل منهم، وأنماط تعلمهم، وتحديد الاختلافات بينهم؛ لتوجيه التدريس لمواءمة هذه الاختلافات، ولا يكفي أن يعرف المعلم تفاصيل تلك الاختلافات، بل يجب الدفع نحو مشاركتهم مشاركة فعالة وإيجابية في وضع أهداف تعلمهم؛ حتى يشتركوا في تقييم أداءهم، ويسهموا في تقديم تغذية راجعة ذاتية لأنفسهم، وهو ما يمكن تلخيصه في تحملهم لمسؤولية تعلمهم.

ويتميز هذا الجيل من التغذية الراجعة بمجموعة من الخصائص، أهمها:

تعزز التعلم الذاتي: تقود التغذية الراجعة، التي يلعب فيها الفرد دورين: دور الممثل، ودور المتفرج والمتأمل، إلى مستوى أعلى من الوعي بالذات، يمكّن من خلق فرص للنمو والتعلم الذاتي لديه.

خفية: فهي معلومات يتلقاها المتعلم عن أدائه عن طريق الحسّ الداخلي بوساطة أجهزة الاستقبال الداخلية له.

تُؤثر في قناعات الفرد مما يسهل عملية التغيير: التغير في سلوك الفرد وأدائه لا يمثل إلا الوجه الظاهر للتغيير الذي يبدأ من التغيرات التي تطرأ على المستوى الذهني للفرد، وتحفيز الفرد ليقدم تغذية راجعة داخلية في الواقع جهد في الاتجاه الذي يقوده إلى ممارسة التأمل والتفكير في سلوكه ومواجهة ذاته، فيتخذ مسافة ناقدة من أجل تعديل تلك الأفعال وتحسينها.

تُعظِّم أثر التجارب الشخصية في التعلم الذاتي للفرد: إن الفرد الذي يحرص دائمًا على التأمل في ممارساته يكون في حالة يقظة دائمة لما يقوم به، إن الفرد الذي يندمج في مواجهة الذات ينتبه لأدق التفاصيل التي تحدث له ومعه، ويجتهد دائمًا في تعديل ممارساته بناءً على تجاربه وخبراته الشخصية.

ذات تصحيح داخلي (ذاتية التقييم) : حيث يحكم الفرد نفسه على مدى صحة أو خطأ ما قام به، من خلال خبرته الشخصية، أو من خلال محكات مرجعية للأداء.

ولعل كلمة السر في التغذية الراجعة من الجيل الثاني:

إعطاء الطلاب فرصة لتحمل مسؤولية تعلمهم، بدءًا من المشاركة في تحديد أهداف التعلم، وتقييم فجوتهم التعلمية، وتحديد ما يجب أن يقوموا به لسد تلك الفجوة، حيث تسود مفاهيم مثل: التغذية الراجعة الذاتية، تقييم الأقران، سلالم الأداء، إستراتيجية الخطوة التالية، أهداف التعلم مقابل أهداف الأداء، وغير ذلك مما سيتم شرحها في الكتاب القادم بإذن الله.

انتبه

هذا الجيل من التغذية الراجعة لا يناقض – في مجمله – مفاهيم ومبادئ واستراتيجيات الجيل الأول من التغذية الراجعة، وإنما يكمله وينضجه، ويضمن تحقيق أهداف التغذية الراجعة.